- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠24برنامج قوانين القرآن الكريم - قناة الرسالة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
قوانين النصر :
1ـ النصر من عند الله :
أعزائي المشاهدين ، أخوتي المؤمنين ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ولازلنا في قوانين القرآن الكريم ، والقانون اليوم بل قوانين اليوم هي قوانين النصر ، التي تتوق إليه النفوس ، وحينما لا يكون تتألم هذه النفوس أشد الألم ، لأن الله عز وجل يقول :
﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4)بِنَصْرِ اللَّهِ (5)﴾
ذكرت قوانين ولم أقل قانوناً واحداً ، لأن هناك في القرآن الكريم عدة قوانين تتعلق بالنصر ، أولى هذه القوانين الله عز وجل يقول :
﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ ﴾
الذي يملك النصر وحده هو الله .
2 ـ نصر الله حاسم :
الحقيقة الثانية :
﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾
نصر حاسم ولا يستطيع أحد في الكون أن يعقب على الله شيئاً ،
﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾
3 ـ ثمن النصر :
الحقيقة الثالثة في مفهومات النصر أن النصر مع أنه من عند الله ، ومع أن نصر الله حاسم ، إلا أن لهذا النصر ثمناً لابدّ من دفعه :
﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾
حقائق ثلاث ،
﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ ﴾
﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾
﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾
من شروط النصر :
1 ـ أن يكون طالب النصر مؤمناً بالله ليس إيماناً تقليدياً بل إيماناً يحمله على طاعة الله :
أيها الأخوة الكرام ، هل في القرآن الكريم آيات أخرى تتحدث عن النصر ؟
﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾
هذا كلام موجز ، أين التفاصيل ؟ الله عز وجل يقول في آية محكمة :
﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
الشرط الأول أن يكون طالب النصر مؤمناً بالله ليس إيماناً تقليدياً لا يقدم ولا يؤخر ، بل ينبغي أن يكون مؤمناً بالله إيماناً من لوازمه أن يحمله على طاعة الله ، وأن يمتنع من خلال هذا الإيمان أن يؤذي مخلوقاً ، الشرط الأول وأنا أسميه شرطاً لازماً غير كاف ، أن تكون مؤمناً .
2 ـ إعداد العدة المتاحة :
الشرط الثاني أن تعد العدة لعدوك ، ولكنها المتاحة وليست المكافئة قال تعالى :
﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
فإذا آمنا بالله الإيمان الذي يحملنا على طاعته ، وإذا أعددنا العدة المتاحة ، ومن رحمة الله بنا ليست المكافئة ، ولو أنه كلفنا أن نعد المكافئة لكان هناك عنت كبير لا نستطيع تلافيه ، لذلك الله عز وجل طلب منا ما هو بأيدينا ، أن نؤمن الإيمان الذي يحملنا على طاعة الله ، وأن نعد العدة المتاحة لنا ، وهذا يستنبط من قوله تعالى :
﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
الطاعة مع الصبر طريق إلى النصر و المعصية مع الصبر ليس بعدها إلا القبر :
أيها الأخوة الكرام ، أيها الأخوة الأحباب ، قال تعالى :
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
يتحدث عن الطرف الآخر الذي يعادي المسلمين ، تصور هذا المكر الذي وصفه الإله العظيم بأن الجبال تزول منه ، لكن المفاجأة التي قد لا تصدق أن الأمر بيدنا ، وأن الكرة في ملعبنا ، وأننا إذا أردنا الانتصار فهذا شيء متاح لنا ، كل هذا الكيد العظيم ، كل هذا الكيد الخطير ، كل هذا الكيد المعجز ، يتلاشى حينما نصبر ، وحينما نطيع الله عز وجل ، لذلك يمكن أن نقول : إن المعصية مع الصبر ليس بعدها إلا القبر ، لكن الطاعة مع الصبر هي طريق إلى النصر .
يبتلى الرجل على قدر دينه :
أيها الأخوة الكرام ، هذا الذي يحصل من أن حرباً عالمية ثالثة معلنة على المسلمين ليس شيئاً جديداً ، قال تعالى :
﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾
قيل للشافعي : " يا إمام ، أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ فقال : لن تمكن قبل أن تبتلى " .
والابتلاء قدر المسلمين بل قدر المؤمنين لأنه بالابتلاء نرقى إلى رب العالمين.
(( أشد الناس بلاء الأنبياء ، وأنا أشدهم بلاء ، ثم العلماء ثم الأمثل فالأمثل ))
يبتلى الرجل على قدر دينه ، وقد وصف بأنه ابتلاء عظيم ، ماذا كان موقف المؤمنين ؟ قال تعالى :
﴿ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا(23)﴾
لكن بعضهم قال :
﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾
وهذا شأن الإنسان المؤمن الواثق من نصر الله عز وجل ، بينما غير المؤمن ربما غلب عليه اليأس والتشاؤم .
أنواع النصر :
أيها الأخوة الأحباب ، ما دام الحديث عن قوانين النصر ، الحقيقة الصارخة أن هناك نصراً استحقاقياً ذلك أن الصحابة الكرام استحقوا النصر فقال تعالى :
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾
لكن الله جلّت حكمته قد يمنح النصر لمن لا يستحقه لحكمة بالغة بالغة بالغة عرفها من عرفها وجهلها من جهلها ، والشاهد على ذلك هي الآية الكريمة :
﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ (2)فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)بِنَصْرِ اللَّهِ (5)﴾
فانتصار الروم على الفرس هو نصر تفضلي ، بل إن الصحابة الكرام أثبت لهم فرحهم بهذا النصر ، إذاً هناك نصر استحقاقي ونصر تفضلي ، أما إذا كان الفريقان المتقاتلان شاردين عن الله شروداً كبيراً لا يعرفون الله إطلاقاً ، فالذي ينتصر منهما يسمى نصره نصراً كونياً ، الذي عنده السلاح الأقوى ، السلاح الذي له دقة في الإصابة ، الإعداد الأقوى ، الحشد الأكبر هذا الذي ينتصر ، هذا نصر كوني لا علاقة للدين به إطلاقاً ، نصر بين فريقين ، لذلك قالوا : الحرب بين حقين لا تكون ، لأن الحق لا يتعدد ، وبين حق وباطل لا تطول ، لأن الله مع الحق ، وبين باطلين لا تنتهي ، لأن الله عز وجل تخلى عنهما معاً والأقوى هو الذي ينتصر ، لكن هذا الذي يموت شهيداً تأتيه رصاصة قاتلة ، أو شظية قاتلة ، أو صاروخ قاتل ، وعقيدته سليمة ، وتوحيده قوي ، وإيمانه بالله كبير ، وما قصر في حياته ، هذا الإنسان انتصر مع أنه قتل نسمي هذا النصر النصر المبدئي .
أنواع الجهاد :
لذلك أيها الأخوة ، من خطأ المسلمين أنهم إذا سمعوا كلمة جهاد لا يقفز إلى أذهانهم إلا الجهاد القتالي ، مع أن هناك أنواعاً من الجهاد تسبق الجهاد القتالي ، الجهاد الأول جهاد النفس والهوى ، وقد قال بعض الصحابة الكرام عندما عاد من غزوة : " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس والهوى ".
وهناك الجهاد الدعوي فقد قال الله عز وجل :
﴿ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾
وسمى الله جهاد الدعوة جهاداً كبيراً ، وهناك جهاد بنائي حينما قال الله عز وجل:
﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
والذي أراه ـ وهذا موقف اجتهادي ـ أن المسلمين حينما ينجحون نجاحاً باهراً في الجهاد النفسي ، جهاد النفس والهوى ، وحينما ينجحون نجاحاً باهراً في الجهاد الدعوي ، وحينما ينجحون نجاحاً باهراً في الجهاد البنائي ، ينتظر أن ينجحوا نجاحاً باهراً أيضاً في الجهاد القتالي ، إذاً هناك أنواع للجهاد ، هناك الجهاد النفسي ، وهناك الجهاد الدعوي ، وهناك الجهاد البنائي ، ثم هناك الجهاد القتالي ، وهناك أنواع منوعة من النصر ، هناك النصر الاستحقاقي ، والنصر التفضلي ، والنصر الكوني ، والنصر المبدئي .
من ينصره الله فلا غالب له :
و ملخص الملخص أن الله عز وجل حينما قال :
﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ ﴾
وحينما قال :
﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾
وحينما قال :
﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾
هذه مجمل القوانين المتعلقة بالنصر الذي يحبه المؤمنون ، ويتمنونه في كل زمان ومكان .
وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .